جبل الأحزان

موريشيوس ، ٢٩ يونيو ٢٠١٤

هناك من على بُعد تراءى لنا جبلٌ يقف بجوار البحر شامخاً، جبلٌ شبهني في هيأته بصخرة الانتحار بالروشة ببيروت، إلا أنه مرتبط باليابسة لم ينفصل عنها، لم يستغنَ عنها فبقي متصلاً. أشار دليلي المحلي بلغة انجليزية منطوقة بلهجة فرنسية، وهي لغة أهل هذه البلاد موريشيوس. أشار للجبل الشامخ بجبروتٍ على البحر ومضى يحكي. كانت موريشيوس محطةً للعبيد اللذين يختطفهم أو يشتريهم النخاسون من القارة الإفريقية فيتم إنزالهم في الجزيرة، إما لبيعهم للإقطاعيين الانجليز للعمل في مزارع قصب السكر بالجزيرة ذاتها موريشيوس، حيث كانوا منها يصدرون السكر لأوروبا كلها. أو يتم تصديرهم -أي العبيد- إلى انجلترا أو أمريكا للعمل في الأرض الجديدة.

كان يتم إنزالهم في الجزيرة ومن ثم توزيعهم ونقلهم وكأنهم بضاعة لا بشر. كان هؤلاء العبيد يعاملون أسوء معاملة. توالت الأجيال، وأصبح الجبل الشامخ ملجأً وملاذاً للعبيد الهاربين من النخاسين. في ١ فبراير عام ١٨٣٥ ميلادي خلال فترة الاستعمار الانجليزي للجزيرة جاء فريقٌ من الجيش البريطاني، توجهوا قاصدين العبيد الموجودين في الجبل، ظن العبيد أنهم سيتم القبض عليهم، وسيساقون مثل من قبلهم، فساقهم الخوف، بلا فكر ولا خطة. واستمر القائد الانجليزي صاعداً إليهم، عازماً على الوصول إليهم أو إلى بعضهم على الأقل، ولكن العبيد بدؤوا في رمي أنفسهم من فوق الجبل على الصخور بإتجاه البحر ليقوموا بعملية انتحار جماعية ولينتهوا جثثاً خامدةً وأرواحاً هائمةً خرجتْ من الحياةِ وهي في حالة ذعر. توقف القائد الانجليزي مذهولاً، فقد كان يحمل بين يديه قراراً ملكياً بريطانياً بنهاية الرق، وصكوك الحرية الفردية لكل عبدٍ من عبيد الجزيرة.

انتهت القصة، انتهت الواقعة التاريخية، وأُطلِق على الجبل اسم “جبل الأحزان” بقيتُ أتأمل، ما أبشع الخوف وما أسوء الظلم وكم قَتَل التسرع.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *