إطعام القروش

كانت الرحلة في جزر البهاماز المشهورة عبر الباخرة الضخمة مليئة بالإثارة. امتلأت بإثارة مزدوجة وقفزت عالياً وأنا أقرأ بعض البرامج المقترحة للقيام بها في اليوم التالي للرحلة، كان هناك عدد كبير من البرامج المتنوعة الا أني طربتُ عندما وقعت عيناي على جملة “الغوص مع القروش”. حلمٌ من أحلامي بين يدي، أتمنى أن أغوص مع القروش، لطالما أحببتُ هذا الحيوان الخجول،. هذه السمكة الكبيرة التي طالها الأذى البشري لقرونٍ طويلة. أنا نفسي ضحية من ضحايا فيلم “الفك المفترس” الذي شاهدته وأنا بعمر العشر سنوات تقريبا فبقيت سنوات عديدة أخاف السباحة ليس فقط في البحر وإنما في المسبح كذلك. كنت أتخيل سمكة القرش المخيفة تقطع أحشائي في المسبح المنزلي فأخرج منه مسرعة منتفضة، أعلم جيداً ان خوفي ليس منطقياً لكن منذ متى نطالب الطفل بالنضج والعقلانية؟! ومنذ متى كان الخوف منطقياً؟! مرت الأيام والسنوات، كبرت ونضجت وفهمت لعبة الإعلام ودرست أضرار الإعلام التجاري الانتفاعي، أصبحت أكثر حرصاً على انتقاء ما يشاهده أبنائي وبناتي، فاخترنا قنواتنا المفضلة وكان منها قنوات العلوم والمغامرات “ديسكفري شانل” “ناشيونال جيوقرافي” ” أنامل پلانت” وغيرهم الكثير.  وتخصصتْ ابنتي في اختيار ومشاهدة أفضل الافلام الوثائقية والكتب العلمية حول القرش هذا الكائن الأسطوري وحياته المثيرة. ذهب الشعور بالرهبة والخوف وحل محله شعور بالشفقة والحب.حب لهذا الكائن الذي خلقه الله فأحسن خلقه وأبدعه، ابداع تنوع مع عظمة الاتقان والدقة في التفاصيل الدقيقة، في عدد الأسنان وصفوفها، النباتي والآكل للحوم، العدواني والمسالم منه، الشفقة على الظلم البشري له. هذا الكائن اتخذناه عدواً، قتلناه فقط لكي ننزع منه زعانفه ونصنع منها حساءً شهياً ثم نرمي بقية الجسد في الماء. هذا الكائن الذي قد يفترس سنويا من ٥ إلى ٦ أشخاص خطأ، لكننا نقتل منه ملايين كل عام مع سبق الإصرار. حتى أصبح عدد كبير من أنواعه مهدداً بالانقراض. سمك القرش ينظف البحر وينقي البيئة ويجعلها أكثر ملاءمةً لاستمرار الحياة الطبيعية فيها، ونحن نحكم عليه بالإعدام كل يوم. ذهبت للغوص مع القروش، في جزر البهاما، سألني صديقي الذي كان متردداً بعض الشئ:- ماذا لو سمكة قرش اتجهت نحوك فجأة، ماذاستفعلين؟! – قلت:- سأخاطبها وأسلم عليها وأقول لها بأن كلانا يسبح بحمد الله في ملكوت الله فلا تؤذيني ولن أؤذيكي.- نظر إلي زميلي فاغراً فاه دهشة وقال: – افعلي ذلك، لكن اذا هاجمتك اخبطي في المنطقة بين العينين فهي منطقة ضعف عند سمكة القرش. كان المدرب يملي علينا التعليمات في القارب استعداداً للغوص فيأمرنا أن لانأتي بأي حركة مفاجئة، زاد الأوزان التي نلبسها للغوص للتثبيت، طلب منا جميعا وكان عددنا سبعة أن نجلس في صف واحد وخلفنا صخرة كبيرة نجلس في حماها بحيث لا نتعرض لخبط زعانف القرش فتؤذينا. تأخرت في النزول مع صديقي عن باقي أفراد المجموعة لسبب خارج عن إرادتي، فكانت النتيجة أننا ونحن ننزل في الماء كان في استقبالنا سبعة قروش لابد أن نتخطاها سباحة للوصول للصخرة حيث اصطف باقي أفراد المجموعة. رأيت صديقي مترددا فشجعته واخترقت القروش ممسكة بذراعه، وصلنا للصف البشري الثابت وركنا بجوارهم في صف واحد. سبعة قروش تتفسح بهدوء بجوارنا، ثم تعلقت بذراع زميلي للتثبيت بقوة ولكي نصنع جميعا حاجزا بشريا لا يمر من خلاله القرش.المصورة فقط مرتدية بذلة حديدية خاصة ومعها الكاميرا تلتقط الفيلم في خفة وهدوء. وفجأة ظهر المدرب في بذلة حديدية كذلك محاطا بعدد لا يقل عن الثلاثين أو الاربعين قرشا من نوع القرش الريف Reef Shark كان المنظر مهيباً، احتفال ومهرجان للقروش، المدرب يحمل علبة فيها سمك صغير واضح أنه الطعام المفضل لهذا النوع من القروش. يطعمهم ويدربهم، بل كان يقوم بالتنويم لبعض السمكات ثم يقربها منا لكي نمسح على بطنها وكأنها قطة أليفة. سبحان الذي علم الإنسان ما لم يعلم ، سبحان الذي استخلف الإنسان فدرب أقصى الحيوانات شراسة فاستأنسها. حلم جميل جدا أن تداعب قرشاً يصل طوله إلى أربعة أمتار، حلم أجمل أن تمسح بطنه وزعنفته. واقع رائع تعرف من خلاله مدى قدرتك كإنسان.

ريم بخيت مستشارة بيئية واجتماعية

خبراء المستقبل للاستشارات

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *