كامبردج/ أمريكا١٩ مايو ٢٠١٥
إنه البحر! في ثورته، في جموحه، في غموضه، إنه البحر!ما الذي حدث؟! كيف أستطيع أن أصدق؟! من الذي ابتلعه البحر؟! من الذي خان العهد؟! غموض مثير وحيرة تأخذ خيالي بعيدا، أمتطي السحاب، وأركب الموج وأنا أفكر في حل اللغز. أين اختفت الفتاة الجميلة؟ أين ذهب الطفل البرئ؟ لا زلت أسمع ضحكاتهم وصيحاتهم تملأ الآذان، أفراد العائلة في رحلة على شاطئ البحر لقضاء عطلة نهاية الأسبوع ومعهم ضيفة جميلة، إنها معلمة ابنهم في الروضة، وفي نفس الوقت هي صديقة. بدؤوا بتنظيف المكان، ثم إعداد الطعام، فاللعب بالكرة، الفوازير الجماعية، الرقص والطبل والغناء الجماعي، والدنيا بخير. كيف يتحول كل هذا الصخب إلى مشهد مهيب؟! إلى دموع وصراخ وعويل؟!الجميع في الماء يبحث عن الطفل الغائب، يضربوا الموج رغبة في تحطيمه، يغوصوا، ينظرون للأسفل ، حيث لا مشهد، الموج عالٍ، والبحر متكدر اللون، والرؤية سيئة جدا قد اختلط فيها ماء البحر برمل القاع في لوحة سريالية غاب فيها الصفاء والنقاء. وسط هذا الضباب المائي لمحوا جسدا صغيرا طافيا تلعب به الأمواج، وكانت الصرخة، وتم الإنقاذ، الطفل حي يرزق، الإسعافات الأولية نجحت بجدارة، والقدر قال كلمته، اليوم ليس يومك يا بني، اليوم ستعيش. أنقذوا الطفل، دفئوه وخارت قواهم بل انهاروا بجواره، وفجأة يسأل الطفل عن الضيفة التي كانت معاهم.- أين عائدة؟ قال:- كانت معي في الماء، رأيتها تصارع الموج من أجلي. ودب الذعر بينهم من جديد، وبدأ النحل يطن بداخل رؤوسهم، أين ذهبت الضيفة؟ أين اختفت الفتاة؟ رموا أنفسهم في البحر من جديد يبحثون، وينظرون، يحلمون ويتألمون. ليس لها أثراً، اختفت، ابتلعتها الأمواج، أو حبسها الصخر بين أجزائه. بدأت الدقائق تتوالى والبحث مستمر، البرد قاتل، والأنفاس متقطعة، والقلوب مترقبة.تحولت السعادة إلى جحيم، تحول الوئام إلى شقاق. أقرب الناس لبعضهم يتلاومون ويتناحرون وكأن كل ذلك سيجدي نفعا في إعادة الجميلة الفقيدة. من العجيب ما نفعله نحن البشر حين نتوتر نبدأ تلقائيا بلوم بعضنا البعض، وكأن إسقاط الخطأ على الآخر يريح الضمير، ويفرح الأنا الذي يرفض أن يكون خاطئاً أو مذنباً. في الشدائد تكون النتيجة أن نفقد أقرب الناس لنا. لأنا غير مدربين على مواجهة الأزمات بحرفية، ولا مدربين على إدارة الكوارث. بعد يومين وجدوا جثتها في منطقة أخرى بعيدة، جرفها الموج بعيدا، وكانت ساعتها قد حانت، والقدر لابد نافذ. عائدة لن تعود، الموت حق ولابد أنه واقع إذا حان، لم تكن الأزمة في وفاتها بل كانت الأزمة الحقيقية فيمن بقي بعدها يتلاوم ويتصارخ، يتشاجر ويتطاول. لن أعزي بعد اليوم فيمن مات بل في من هو محسوب على الحياة، عظم الله أجرنا..
ريم بخيت
مستشارة تربوية واجتماعية/ ناشطة بيئية
خبراء المستقبل للاستشارات
