اسطنبول/ تركيا١٨ سبتمبر ٢٠١٤
تتسلق الجبل بثبات واستمرار، تصعد ثم تصعد وتستمر في الصعود. لا يستوقفها إلا التأمل والتسبيح لله عزوجل، العصافير في السماء تصنع تشكيلاً هندسياً وتشترك معها في التسبيح، الكون يسبح. لكن.. صوت جديد يشترك في التسبيح، كأنها موسيقى كائن فضائي أو لعله مغني تركي قديم ضل طريقه بين الشعاب والجبال.لا إنه هاتفها المحمول من داخل حقيبتها ينادي بإصرار، اسم الحبيب يُنير، يخفت القلب بين أضلعها، تجيبُ مقبلةً لكنه بعد السلام يخبرها بأن هناك من يريد الحوار معها. صوت عميق هادئ ورخيم، صوت ناي يشارك معها في التسبيح، ذابت في ثنايا الصوت، إنه والده الذي قابلته من قبل فمازحها ولاطفها بل الأدهى من ذلك أنه قدم لها من فاكهة الجنان مالذ وطاب. رجلٌ من الزمن الجميل، ثابت، متزن وراقي.لماذا هي مضطربة؟ احمرت وجنتاها، وتعرقت يداها، وهو يحاورها كعادته بسيطاً مازحاً مُقبلاً.. فجأة، كسر المجاملات وسألها عن ابنه وكيف هو معها؟ شعرت أنها قطعة ثلج احتارت بين برودة أطرافها وحرارة وجنتيها فالتهبت. أجابت إجابةً مقتضبةً تشير إلى أنها تراه كل فينة وأخرى ثم صمتت، لكنه صرح بإصرار: ابني أخبرني، كلمات الشاعر تصدح في أذنيها:قالوا تسلى عن المحبوبِ ، قلتُ بمن ** كيف التسلي وفي الأحشاء نيرانُ ؟!إن التسلي حرامٌ في مذاهبنا ** وكيف يأخذ بالإيمان كفران ؟!فشارب الخمر يصحو بعد سكرته ** وشارب الحب طول العمر سكران ! كانت نبراته مشجعة تعلن موافقته ومباركته. خافت، ارتعبت، هل سأجرب من جديد؟! مشاعر متضاربة جدا تختلج بين أضلعها، نحن البشر في أمورنا نتقلب ما بين رغبة ورهبة، مابين حب وخوف ورجاء.. حب عظيم وخوف عظيم ورجاء أعظم.. هذا ما يجب أن تسعى إليه “الرجاء الأعظم” لعله هو الدافع الأقوى من المحبة ومن الخشية لأن كليهما ارتبطا بالمعرفة المسبقة والمواقف الماضية، أما الرجاء فلا مشاعر مسبقة فيه ولا ارتباطات ولا ماضي، وإنما عقيدة راسخة في رحمة المولى.. هاتفني الرجاء مؤذناً أن تبدأ أو أن تنتهي الرواية..
