العيار فالت

موظف “طيران نسما” يعلم كافة الركاب شخصياً بتأخير الطائرة ساعةً ويعتذر بحرارة. أجد نفسي بين طاولات المقاهي وأنا أسمع الحكاوي، هنا عادةً أجدُ الإنسانَ في حللِه المختلفة. أختارُ الانتظارَ في مقهى coffee bean and tea leaves أحتسي قهوتي السوداء بهدوء، متمتعة برائحتها النفاذة وطعمها المميز، وأنا متشاغلة بجهازي الجوال بين يدي.

يصلُ لسمعي حوارَه مع صديقِه في الطاولة المجاورة، هو أيضاً يحتسي قهوةً سوداء بلا رائحة، قهوتُه مرةُ المذاقِ كأنها علقم.

تذوقتُ مرارةَ قهوتِه من مرارةِ نبراته، يشكو لصاحبهِ ويقول:

– سبعُ سنواتٍ من المعاناة، سبعُ سنواتٍ وأنا أنصح وأصالح وأدلع، ثم أزعل وأهدد. لم يعد عندي المقدرة على أيٍّ من ذلك، لا أستطيع الاستمرار.

زميلُه يهديه، يقولُ كلماتٍ متقاطعة مثل “كل النساء هكذا”، “قصة وراحت في حالها”، “الكل يعذرك طبعا” وهكذا..

يستمرُ في حوارهِ:

– ما عاد في شئ اسمه راجل وأنثى، تلبس على كيفها وتخرج على كيفها، تسهر مع صاحباتها، وأنا قاعد في البيت أنتظرها. في أول ارتباِطنا فهمتَها أن هذه الطريقة مقبولة للعزاب، لا ارتباط عندهم، لا مسئوليات لديهم، ولا عواطف تؤججهم. الحق يقال تغيرت لفترة، حاولت، وكل مرة أعاتبها أو أذكرها تنضبط لفترة، ثم ترجع من جديد لصديقاتها، ولجوها الفوضوي. سهر الليل كله وفي المقابل نوم النهار كله. في البداية كنت أحاول تغييرها ثم شيئاً فشيئاً وجدت نفسي أقدم تنازلات كثيرة، في الفترة الأخيرة كنتُ فقط أناقش اللباس الغير مناسب، الغير لائق. هذا هو فقط الذي بقي لي أناضل من أجله في معارك متعددة باءت بالهزيمة. والآن أعلن الهزيمة الكاملة في كافة القضايا وفي كل الأهداف. فشل ذريع. خلاص انتهى الموضوع. أنا سلمت الراية فلترفع هي راية النصر.

زميله ما زال يخفف عنه ويمنيه بزوجة أخرى. قال وهو مازال يتجرع مرارة قهوته:

– زوجة أخرى؟! مابالك؟! مجنون؟! كل النساءِ هكذا. أنظر من حولك، كلهن لم يعدن يعرفن واجباتهن ولا دورهن، نحن ياصديقي نحتاج إعادة تأهيل جيل كامل. لا يا صديقي لن أعيدَ الكرَّة، على الأقل لن أعيدها من هذه البيئة ومن هذا المحيط، وفي هذا الزمن.

قُلْ علينا السلام. توقفَ وسارَ بكتفٍ منحنٍ يجر حقيبته، ويجر رجليه خلفه، يتأكد من بوابة الصعودِ للطائرة ليُكمِل المسير.

ريم فؤاد بخيت – 28 اغسطس 2017

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *