الوهم والحقيقة

 زغاريد الفرح تنطلق، الابتسامات والضحكات، القلوب تدعوا الله أن يبارك لهما، أحبته وتعلقت به ، منذ طفولتها حلمت به، كان بالنسبة لها حلم كل فتاة لكنه حلمها الخاص وحبها المتميز. حين تقدم لها وجلست معه للمرة الاولى عرفت أن هذا هو الفارس المنتظر، الفارس الذي طالما رسمته في خيالها، الفارس الذي أحبته وتعلقت به وهي لم تره بعد.

حين أخبرت صديقتها المقربة، قالت لها: كم أنت خيالية ! تصنعين الوهم وتصدقينه.

فأجابت: ما أجمل الوهم حين يتعلق بمثل هذا الإنسان.

عرفته أكثر أثناء فترة الخطوبة، حوالي تسعة أشهر ذابت خلالها في فضائله، كرم ورجولة، إيثار واحترام لرأيها، تقدير لشخصها وتحمل مسئولية، ماذا تريد أكثر؟ حلمت بيوم الزفاف. تمشي متأبطةً ذراعه، تكاد تطير نشوة. وحين اختليا ببعضهما ألفا كتاباً في الحب والعشق لا بد أن يكون منهجاً يُدرس لكل العاشقين. سافرا في شهر العسل وقررا أن يمضيا أسبوعين في بيت صغير مطل على المحيط الهندي في جزيرة نائية. كانا يريدان الخلوة والتمتع ببعضهما البعض بلا شريك ولا رقيب. مرت ثلاثة عشر ليلة، بقي يومٌ ويغادران العش الذي جمعهما في أجمل أيام وليالي العمر. استيقظت صباحاً مثل كل يوم تبحث عنه، تبحث عن رائحة القهوة التي اعتاد أن يصنعها لها كل صباح، بحثت عن الخبز الطازج الذي اعتاد شراءه صباحاً، لكن لا رائحة ولا خبز ولا مجيب. بحثت في أنحاء المنزل، في الحديقة الخلفية، في البحر. انتظرته ثم سألت الجيران، أبلغت الشرطة مساءً. الكل يبحث عنه في كل مكان، بحثوا في حاجاته وملابسه، لم تفقد إلا لباس السباحة الخاص به. كان معلقاً على المنشر ينتظر أن يجف من اليوم الذي قبله. يبدو أنه تناوله ولبسه وقرر السباحة لوحده ذلك الصباح. كانت الشرطة تضع القصص والتصورات.

مرت ثلاثة أيام، لم تكتشف الجثة ولم يعلم أحد أين هو. أتى والده ووالدها، الكل يقنعها بالعودة. تنظر إلى الفراغ، تتأمل كليهما وتقول : لا لن أعود، سأنتظره هنا. هنا فقدته وهنا سأنتظره وسيعود. مرت أشهر ثم مرت سنوات، وهي باقية هناك في تلك الفيلا الصغيرة المطلة على المحيط. اشترى والدها تلك الفيلا الصغيرة وأصبحت العائلة تأتي في الإجازات تمضي معها وقتاً طيباً. كانت تظن أنها لن تضحك بعد ذلك ولن تعرف الابتسامة طريقها لشفتيها، إلا أن كل شئ يبدأ صغيرا ثم يكبر إلا المصيبة فتبدأ كبيرةً ثم تصغر. اشتغلت بتعليم أطفال الجزيرة القرآن واللغة العربية، وعرفها الجميع، وأحبها الجميع، وتداولوا قصة تلك المرأة العربية التي بقت تنتظر زوجها. مرت خمسٌ وعشرون عاماً، كانت خلالها قد علمت مئات الأطفال القرآن واللغة العربية وساعدت الكثير من السيدات في فهم وتفسير القرآن. احتضنتها الجزيرة وأهلها واحتضنت هي ذكرى زوجها وحبيبها.

خمسة وعشرون عاماً وهي تنتظره قبل صلاة الفجر وفي وقتِ السَحر، لم تغلق نافذة غرفة نومها المطلة على المحيط أبداً، تستيقظ من عمق نومها لكي تتأمل المحيط. تنتظر الشروق لكي تبدأ يوماً جديداً ثم تعود لتحلم من جديد. في ليلةٍ من الليالي الكالحة في ظلمتها رأت ضوءاً في البحر، كان الضوء بعيداً، يبدو ضوء كشاف، نزلت من حجرتها للشرفة الأمامية المطلة على البحر، وقفت وهي مضطربة تنتظر اقتراب الضوء، وقفت تحت هتان المطر ونسمات باردة تلفحها فلا تكترث. الضوء يقترب، ثم يقترب، وهي تسير وسط البحر، تخترق البحر مقتربة من الضوء أكثر، تشك في سلامة عقلها، هل هو سراب، أم هل هناك جن يسيرون في الماء!؟ اقترب الضوء ووقفت هي في الماء وقد تبللت تنتظر خروجه، تنتظر رؤيته وقد تهدج صدرها، وسالت دموعها، تنتظره في زيه القديم وشكله الذي ما تغير بالنسبة لها، اقترب الجسد أكثر فاستطاعت ان تفسر ما ترى، إنه رجل يحمل كشافاً وينظر في الماء أسفل منها. اقترب الجسد أكثر ويبدو أنه رأى جسدها على مقربةٍ منه، فصعد واقفاً مباشرة ينظر تجاهها بخوف وذعر، فميزت رجلاً من أهل الجزيرة يحمل في يده سيخاً للصيد ومعه مجموعة من الأخطبوط الذي كان هذا موسم صيده. ببساطة كان صياداً محليًا استغل هبوط مستوى المد في المحيط لكي يصطاد الأخطبوط، كان يبحث عن رزقه. سلم عليها الرجل بذهول، ردت عليه السلام والتحية وهي مازالت تتأمله وكأنها ترى عبره، ودموعها تجري على خديها. ثم انقلبت لبيتها، تصعد لحجرتها، لكي تعاود الانتظار من جديد.

ريم فؤاد بخيت

مستشارة تربوية واجتماعية

خبراء المستقبل للاستشارات

موريشيوس ٢٨ أكتوبر ٢٠١٥

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *