يوم الميلاد

 القاهرة ٢ إبريل ٢٠١٥

في مطعم فاخر على البحر الأحمر جلسنا صباحاً، تناولنا طعام الإفطار سوياً، كان الاحتفال خارجاً عن العادة، لم أحتفل من قبل على طعام الإفطار، في هذا الوقت المبكر، لكن يبدو أن الأمور تتغير، والأحداث تختلف، وأزداد قناعة أن لا ثوابت في مثل هذه العادات. كان يوم ميلاده الخامس والعشرون، كنت أحتفل به ومعه..  أراه للمرة الأولى لكن كإني أعرفه منذ زمن، بل كإني أعرفه منذ نعومة أظفاره، فلقد عرفت عنه كل شئ، طفولته، شبابه، دراسته.كانت روحه تحلق بل ترفرف بجناحيها فوق كل شئ، كانت روحه ناعمة تملأ المكان راحة وسكينة، حباً وإشراقاً، انتهى لتوه من أداء العمرة وجاء زائراً لابن خالته في جدة.

يحكي بحب عن زيارة المسجد النبوي وتجربة الصلاة في الروضة الشريفة، عن أحاسيسه في هذا المكان الطاهر الشريف. كان وجهه مشرقا، عيناه تلمعان بنور الحب، يتحدث عنها ويستشيرني، سهر البارحة معها على الانترنت، هي في أمريكا وهو في جدة، روى لي الحكاية كاملة، كيف التقيا؟ وكيف أحبها؟ ومتى موعد الخطوبة الرسمية؟ متى الزفاف؟ خطط كثيرة بمواعيد وتراتيب. كان طموحا، قطب جبينه وهو يتحدث عن عمله في الشركة العائلية التي يملكها والده وعمومته، وهو أكبر أفراد الجيل الثاني في هذه الشركة، وجلس يشرح لي أنا التي لا أفقه شيئا في تجارة الرز وصناعته، يشرح لي بحماس امتزج بحب لما يعمل. صعوبات العمل ومشاكله، منافسيه، قوانين الحكومات المتغيرة، الثورة وتأثيرها على سوق العمل. فجأة نظر إليه، نظر لإبن خالته وقال لي مشيرا إليه:- هو نموذجي المثالي، أريد أن أصير مثله، وأصل لما حققه. – إن شاء الله تصير أفضل منه من كافة النواحي.- هو مثلي الأعلي منذ طفولتي، ويقولون أني أشبهه جدا.- نعم الشبه بينكما واضح، لكم نفس الحواجب العريضة، وذات السحنة للوجه. – لكني لن أستطيع أن أنال الدكتوراه في العلم كما فعل، أنا عملي يأخذ كل وقتي، ولا يمكن توفير وقت للدراسة.- كل شئ ممكن، لا تضع إعاقات ذهنية فتعيق ذاتك عن تحقيق ما تريد، كل شئ هنا. وأشرت للدماغ، أومأ برأسه موافقاً.أحببته، أحببتُ حواره وروحه وانطلاقه، أحببت صراحته وتلقائيته، وأحببت بلا شك بساطته. ودعته على أمل اللقاء قريباً، لم أكن أعلم أني أودعه وداعاً أبدياً فهو عابر سبيل انتهى دوره هنا. البارحة مساء جاءني الخبر، توفي منذ قليل في حادث سيارة بالاسكندرية، توفي مباشرة في موقع الحدث. لا أستطيع أن أصدق، لا أستوعب. هل هي كذبة إبريل؟ أتمنى أن تكون كذلك فمازالت كلمات أنشودة “سنة حلوة يا محمد” و “حالا بالا حيو أبو الفصاد” تتردد في ذهني، ابتسامته وطموحه، خططه وحبه، هل كل شئ انتهى؟! أحاول أن أقبل الواقع الحزين. محمدٌ وُلِد من جديد، محمدٌ الشاب الذي في الخامسة والعشرين انتقل من دارٍ لأخرى، ومن أهلٍ لآخرين، محمد -والله حسيبه- انتقل للجنة، هو فقط قد انتقل مبكراً قبل أقرانه. أراه حسن خاتمة، أراه يوم عيد، أشعر بروحه الشفافة مشفقة على والدته وخالاته ووالده وعمومته، أشعر بروحه هي التي تكتب عني هذه الكلمات، وهذا التأبين. محمدٌ إستودعناك عند الرحمن الرحيم، استودعناك عند الخالق البارئ، محمدٌ قد رضينا بحكم الله، وحمدناه على نعمه وآلائه.

 توفي محمد يوم ١ إبريل ٢٠١٥

ريم بخيت

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *