وصف إنسان

 جدة/ ٢٨ ديسمپر ٢٠١٤

طلب مني أن أصفه وصفاً متجرداً يطلعه على حاله في نظر الناس، أو يكون مرآة له. فوصفته قائلة:هو في أواخر الثلاثينات من عمره، اسمه “سلام”، له مظهر جسدي متميز، ساقين منفوختين بالعضلات مع حوض ضيق ثم يعرض جسده حتى يصل ما بين كتفيه لأن يكونا أكثر من ضعف حجم حوضه. فهو عريض المنكبين، عظيم الصدر، يمشي وكأنه في عروض كمال الأجسام منفوخاً، ظهره مشدوداً للخلف. هو متوسطٌ في طوله، لكن حجم جسده يتغير كل فينة وأخرى فهو يخسر من وزنه ثم يزيد وهكذا دواليك، مما يؤثر على حجم بطنه فتنقص أو تزداد. حينما يزداد وزنه يكون عظيم البطن يمثل الرجل العربي خير مثال. مقارنةً بحجم جسده فإن رأسه صغير، شعره دوماً قصير، فلا يزداد طوله عن السنتيمتر الواحد عندما يتركه يطول، وكأنه لا يزال مجنداً في الجيش. بدأ الصلع يغزو مقدمة رأسه في شكل امتداد لجبهته، مما ترك مساحة من الشعر على شكل ضلعي مثلث، أما الشيب فقد غزا شعره بقوة وخاصة على الجانبين. فاختلط الشعر الأسود بالأبيض في منظومة فريدة طبيعية ذات لونٍ فضي أو رمادي. وتحيط به أذنان صغيرتان جدا وملتصقتان برأسه،  أذنان لو ملكتهما امرأة لفاخرت بهما باقي النساء. بشرته القمحية لا يبدو عليها أنها تتأثر بالسنين فهي صافيةٌ لا تجاعيد فيها ولا بثور.عيناه هما أجمل ما فيه، واسعتان، ذات لونٍ عسلي فاتح، فيهما عمق التجربة، فيهما حنان واحتضان، عيناه تتحدثان إليك فتقول “تستطيع ان تثق في فلا تقلق” أو تؤكد لك “أنا إنسان محب مسئول”. عينان عميقتان عليهما رموش لا هي بالطويلة ولا القصيرة ولا هي بالمستقيمة ولا المعكوفة، لا هي بالكثيفة ولا الخفيفة. أما حواجبه فهي حواجب عريضة، كثيفة، وكأنها تمثل خطاً منحنياً فوق العين لحمايتها.أما الأنف فهو يبدأ دقيقا في أعلاه ثم يكبر وينتفخ يمنة ويسرة مشكلا أنفاً ذو أرنبةٍ مرتفعة، تحده شفتان غليظتان كبيرتان تتناسبتان مع أنفه تماماً. إذا ابتسم ظهرت أسنانه بيضاء مصفوفة بلا تدخل أطباء التقويم ولا فعلهم. اذا ضحك ظهرت خطوطٌ عميقة حول عينيه، ونغزةٌ غائرةٌ في خده الأيمن. تميزه لحية حليقة كثة، تطول من أول اليوم لآخره فلو قابلته في يوم واحد صباحا ومساء ترى لحيته وقد طالت في آخر اليوم وأصبحت تحتاج للحلاقة من جديد.رائحته دوماً جميلة فلا يمكن أن يؤذيك برائحته فهو لا يأكل الثوم ولا البصل، لا يدخن أي شئ ويعاني من حساسية في صدرة تجعله يتحاشى أماكن تجمع الدخان كذلك، كثير الاستحمام للمحافظة على النشاط والنظافة. يستعمل أنواعا من العطور الذكورية الخفيفة وهي تشير اليه في بعض الاماكن والاوقات.يتحدث معك بصوتٍ عالٍ، له مداخلات متعددة في أي مناسبة، قادر على افحام خصمه نتيجة تدريبه الإداري الطويل، صاحبُ حجةٍ واضحةٍ لكنه حريص أن لا يجرح أو يؤذي أحدا. هو من نوع الرجال الذي يطلق عليه “جنتل مان” مع النساء فهو يفتح الباب وينتبه على المرأة والطفل عند عبور الشارع، ويحرص على أن يدفع أي فاتورة. الانطباع الأول معه مثير جدا، فهو من النوع الذي يضغطك ويشعرك بالتوتر، يقطعك أثناء الكلام، يستفهم وأنت لم تنته بعد من جملتك، يثيرك ويجعلك تشعر بالحيرة، فإذا جازفت وقابلته ثانية بدأت تستوعب أنه يقول أول انطباعاته بصراحة وصدق، وأنه يعتمد على إحساسه وحدسه، وأنه صدمك لأنه يقرأ ما يجول في داخلك لكنه يعبر عنك أسرع من تعبيرك عن نفسك.  فقد تكرهه أو تحبه، ولا وسط بينهما. إذا تناقش في عمل فكأن عدد من الومضات في الدماغ نورت في وقت واحد وهو لسرعته يحتاج للتعبير عنها مباشرة، فيُشعر من أمامه بالضياع، فهو يحتاج لترتيب أفكاره وفوهمتها قبل أن يشرع بالكلام.

 لكنه متجدد في فكره، يرى ما وراء السطور، سريع الملاحظة ودقيقها، صائبةٌ استنتاجاته في معظم الأحيان. لا يطيق البقاء بلا مهام للإنجاز ولا يستطيع الحياة بدون ضغوطات، فهو دائم التحصيل العلمي فيسعى للماجستير ثم دبلوم ثم دكتوراه ومن ثم دكتوراة أخرى وشهادة مدرب معتمد للغوص ومدرب مصرح له للخيل وهكذا دواليك. هو من الشخصيات التي يطلق عليها “ابن بلد” أو “جدع” يغيث الملهوف، ويجيب المضطر، ويعين كل أصدقائه وأقاربه، يشجع كل من حوله ويبني عندهم روح إيجابية عالية. كان سبباً في أن يُكمل عدد منهم دراسته، وأن يبحث عدد منهم عن وظائف أرقى، هو يثير لديك البحث عن القيمة المضافة لك في هذا الكون، وقد يساعدك في سبيل تحقيقها.يعترف بالفضل للناس مهما اختلف معهم، كريماً معطاءً، يخطط للرزق لكنه ليس عبداً للمادة. هو طفلٌ كبير في بعض الأحيان، وشيخ حكيم في أوقاتٍ أخرى. فإذا ارتبط الموضوع بآخرين فهو الشيخ الحكيم، وإذا ارتبط به وباحتياجاته أو مشاعره فهنا يظهر الطفل الكائن.عشوائي في تعامله مع الأشياء، فلا قانون ثابت لأماكن حفظ أشيائه، في حالةٍ بحثٍ مستمر عن شئٍ ما لأن لا مكان محدد لمستلزمات حياته. سيارته هي بيته الثاني وضع فيها احتياجات متكاملة، وما تعامل معها بناء على جودتها وفخامتها وإنما بناء على قدرتها وتحملها.  دقيقٌ في تعامله مع الناس، يحرص على معرفة الدوافع والتوقعات لكي يستطيع تحقيقها أو توفيرها والوقوف مع الشخص على أرضٍ صلبةٍ واحدة. له معاييره الخاصة في الحكم على الآخرين.تربيته الدينية مع والدين اهتما بالتنشئة على فعل الفضائل ووجوب حسن الخلق جعلته يسعد عندما يرسم الابتسامة على وجه إنسان أو عندما يسامح إنسان أو يساعد آخر. تربيته الجغرافية في مدينة ساحلية جعلته يهوى السباحة والرياضة، وبٓنٓت عنده روح المغامرة، وكذلك مرونة في تقبل الاخلاف والاستماع للرأي الآخر. تعلم الغوص حتى أصبح مدرباً فيه، والآن يبحث عن رياضة جديدة يخضع فيها قدراته ويتحدى نفسه من جديد، فيفكر في التدرب الاحترافي للقفز بالمظلات.حنونٌ وعنده ذكاءٌ عاطفي عالي يستطيع من خلاله أن يحول حالة الكآبة عند شخص ما لموقف كوميدي وبسحر ساحر يتحول جو الحزن إلى سرور. من تناقضاته علاقته بالخيل وحبه اللا متناهي لها، فهو يطعم الخيل، ويركبه ويغسله ويمشطه ويشعر به، كلما رآه حصانه قادماً بدأ يضرب الأرض بحافريه محتفلاً مستقبلاً، يقفز الحواجز، ويروض المستعصي منها، لكنه في المقابل يخاف القطط ولا يطيق قربها، سلوكين متناقضين لا تفسير لهما، سوى أن بعض مسلمات الطفولة وترسبات التربية لم يستطع تجاوزها بعد. لا يطيق أن يكون لأحدٍ ما عليه من فضل، فإذا أحسن إليه أحدٌ سارع يبحث عن السبل لخدمته في المقابل لكي تستوي الحسنة بالحسنة والخدمة بالخدمة. حساسٌ في ما يتعلق بالمادة  والتعامل بها والألفاظ. يشعر بالإهانة نتيجة لمنظومة فكرية عاش من خلالها ولم يستطع الخروج عنها. يحتاج للتوجيه أو لفت الانتباه في بعض علاقاته الاجتماعية لاستعجاله وسرعته في رغبته تحقيق أهداف محددة. هو من النوع الذي إذا رأيته لا تستطيع أن تنساه، وإذا عرفته فلا بد من أن ترجع إليه، هذا كان وصفي له فهو بحلوه ومره، بتنوعه واختلافه “إنسان”.

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *