القاهرة/الرياض/جدة ١٧/٨/٢٠١٤
قال لي وهو يقطب جبينه، ويرسم ابتسامة خفيفة على شفتيه، يختبرني بكلامه، ويقرأ انطباعات وجهي:- أنا قضيت الثلاث سنوات الأخيرة من عمري أدرب نفسي وجدانياً لكي أصير أكثر شفافية وتتضح عندي الرؤية، وقد رأيتُ معك قرين! وهو قرين صالح يعينك على فعل الخيرات..- يا عم عبدة، كلٌ منا له قرين وهكذا تعلمنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، لكن رسول الله أعانه الله عليه، فأسلم. – قال إذاً تُصَدِقين ولا تخافين.قلت له بثقة وثبات: – أأخاف من خلقٍ لله عزوجل؟ ذكرهم الله في كتابه، منهم من ساعد الأنبياء والرسل، بل هناك سورة كاملة باسمهم، أأخاف وقد رضعنا في كتب التوحيد أن النفع والضرر بيد الله عزوجل وحده؟ لا والله لا أخاف.. تهلل وجه عم عبده وقال: يصاحبك قرينٌ صالح اسمه: الحاج الشيخ علي، وهو رجلٌ كبير في العمر لون شعره كأنه مخضب بالزعفران لا هو أبيض ولا أشقر ولا أحمر، وهو معك الآن وأنا أراه. – يا عم عبده حاج وشيخ في ذات الوقت؟؟ ماشاء الله تبارك الله، قرين نقاوة فعلاً.- لا تضحكين منه فأنت تؤمنين، وهم يغضبون.- حاشا وكلا لا والله لا أضحك من الحاج الشيخ علي ولا من أهله أو قبيلته، وإنما أستغرب فكما أخبرتك رسول الله صلى الله عليه وسلم أعانه الله عليه فأسلم، فمن أنا حتى يكون قريني شيخاً حاجاً، صالحا؟!؟! قال بثقة: – فضل الله يؤتيه من يشاء.- ونِعْم بالله..- بالتدريب يا أختي الفاضلة، بكثرة ذكر الله عزوجل بالتسبيح والتهليل والحمد تتجلى لك هذه العوالم وستستطيعين رؤيتهم ورؤية قرينك بالذات وسيستطيع مساعدتك في شفاء والديك أو توجيه أبنائك بإذن الله تعالى طبعاً. مرت الأيام، ونسيتُ حواري مع عم عبدة -الذي لم يُثِر فضولي أساسا- فأنا امرأة تربت في مجتمعات مادية، وحتى تديني كان علمياً. فرحتُ بعم عبدة لأنه كان يبدو أكثر سعادةً وأصلح حالاً لكني لا أبحث في هذه الأمور ولا أتطلع إليها. سبحتُ وهللتُ وحمدتُ كثيراً فأنا أعود وحيدة إلى جدة من مطار الرياض تتجاذبني الأفكار بعد اجتماع عمل مضنٍ.. رأيته من على بعد في مطار الرياض، ينظر بعمق، رجلٌ في أواخر الستينات، يخطو بقوة وثبات، ملتح لحية خفيفة، يبدو من أهل الشام، شعره مصبوغ بلون معصفر أو بالحناء أو كلاهما معا. بقي ينظر من بعيد، استغربت من طول نظراته واستمرار مراقبتي، لكن الغريب العجيب أني لم أنزعج منه البتة بل شعرت أني أعرف هذا الرجل الغريب.الطائرة فارغة، فقط بعض المقاعد شغلت، صدف أن كرسيه على الجهة المواجهة لمقعدي، بالتالي يستطيع أن يكشفني طوال الرحلة، وهذا الذي فعله بالفعل. لم يأكل ولم يشرب، لم ينم.. فقط يرفع نظره إلي ثم يعود ويخفضها ثانية، وأنا مشغولة في قراءة كتابي. وصلنا جدة وخرجت مباشرة من المطار، خرج بجواري إلى أن قابلت سائقي وحمل لي حقيبة يدي، عندها فقط توقف، ثم اختفى..كنت أتساءل طوال الوقت وعلى مدى ساعتين، من هذا الرجل؟ ماذا يريد مني؟ هل يُشَبِهني لامرأة يعرفها؟ هل سيُخاطبني في مجتمع يصعب فيه هذا الموقف؟ هل أكسر هذا الجدار وأبادره بالسؤال؟ من أنت؟ لماذا تتابعني؟ ماذا تريد؟ فهو رجل محترم ويبدو عليه الصلاح، لعله من حفظة كتاب الله!! ثم إنه لم يزعجني قط ويبدو أني أعرفه كذلك، أو أن أرواحنا تلاقت. فجأة، وأنا في بيتي تذكرت عم عبدة وقريني الحاج الشيخ علي، المواصفات متطابقة تقريبا، وبدأت أتساءل هل رآه أحدٌ غيري؟ هل تكلم مع أحد؟ هل ذهب إلى دورة المياه؟ هل بدا عليه أي سلوك بشري؟ كانت الإجابات نفياً قاطعاً، هذا الرجل كان فقط يتابعني ويريد أن أراه وأرى وجوده بجواري في كل خطواتي. هل هذه هلوسة؟ تبدو هلوسة حقيقية فعلا؟ الله يسامحك يا عم عبده فعلاً شغلت فكري، بغض النظر عن ماهية الشخص أو أهدافه أو أسباب ظهوره، ومن أي العالمين هو؟! بغض النظر عن كل ذلك فلن أشغل نفسي به و سأستمر في أدائي وعطائي مدفوعة بيقيني ومتسلحة بإيماني ومعارفي العقائدية. اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه، اللهم اجمعنا بالطيبين واصرف عنا المفسدين. آمين
