عبد الله البحريني

 جدة٩ نوفمبر ٢٠١٤

أطالع كعادتي الصباحية صفحات التواصل الاجتماعي فأجد المؤشر يذكرني بيوم ميلاده، أخترق صفحته متسائلة أين غاب؟ وهل كل هذا الهجر غضب؟! كم فرقت المذاهب الفكرية والطوائف الدينية؟ أقرأ ما كتبه أصدقاؤه له في يوم مولده، ويصيبني الذهول.الحوار بيننا ساخن وصوتي بدأ يرتفع على الماسنچر وهو يستمع باستكانة المريض، والضعف واضح في نبرته، اتهمته بالتحجر وضيق الأفق، اتهمته بالتناقض مع أفكاره ومبادئه.. قلتُ: لماذا تسافر؟ لماذا تكلف نفسك مالا تطيق؟ قد رحمنا الله عزوجل فلم لا ترحم نفسك؟ حتى عندما فرض الله علينا الحج شرطه ب “لمن استطاع إليه سبيلا” فأسقطه عن المريض.. الآن أرى إبتسامته، لا بل أتخيل ابتسامته، لا بد أنه كان مبتسم، لا بد أنه كان يسخر مني.. والله قالها لي واضحة ظاهرة بينة، قال بوضوح: ما هو أسوء سيناريو يمكن أن يقع؟ أن أموت هناك؟ أن أموت وأنا بجوار أضرحة آل بيت النبي صلى الله عليه وسلم؟! أليس هذا أسوء ما يمكن أن يقع! ثم استأنف: ليته يحدث. قلت منفعلة: تشيعك المذهبي واضح تماما في مثل هذه الأقوال والاعتقادات، وكذلك فهمك الضيق للدين، وأنا التي كنت أظنك من المجددين المصلحين. قرر فض الحوار بهدوئه المعتاد بأن يؤكد قراره بالسفر، طلب مني الدعاء، واستودعني الله عزوجل.. مضت الأيام وخاصمني، لابد أنه آخر حوار بيننا هو الذي أثار حفيظته واستثار حميته المذهبية، كم تحاورنا من قبل حول اختلافات الأديان والمذاهب ، وناقشنا قبول الآخر، لكن كان دوماً متزناً فماذا حدث في هذه المرة؟! طال الزمن، فقررت البحث عنه والسؤال عن أحواله، لا أجده ولا يرد على اتصالي. لابد أنه عاد من سفرته تلك، قلبت صفحات التواصل الاجتماعي الخاصة به لكن لا ظهور له. افتقدت شعره وأدبه وحواراته الفكرية ومساجلاته السياسية. جمعني به هم الإصلاح في دول الخليج وكان سلاحه قلمه ولسانه. اجتمعنا من خلال “الربيع العربي” ويبدو أنا افترقنا حينما تيقنا أنه لم يكن ربيعاً بل شتاءً قارساً. جمعتنا أحلامٌ ورديةٌ في دولٍ أفلاطونية، جمعتنا مصطلحاتُ الصلاح والإصلاح والحب والإخاء، رأينا الثورات تأكل عشاقها، وتردي أبناءها، استدلينا من خلال كتب علماء السنة وكتب أئمة الشيعة على ضرورة التجمع لا التفرق. لكنه غاب كما غابت مفاهيم جميلة تكلمنا فيها وخضنا في وصفها وتجربتها. اليوم في ذكرى يوم ميلاده أقرأ نعيه، أشعار ومقالات، من البحرين ومن خارجها، كل صديق كتب من الرثاء ما جادت به قريحته عنه. عرفت أنه لم يخاصمني بل رحل وغابت روحه، فهل غاب حبه؟ كان يمارس الحب علناً، حب الناس، حب الفضيلة، بل كان يزايد على الحُب بالحُب.  كم حكى لي عنها، كان يحبها بجنون، كان بكلماته يرسمها في لوحات فنية، لكنه كان يعلم أنه مفلساً في صحته، ضعيفاً عليلاً فما صارحها بحبه، لذا لم يعرف إذا كانت قد أحبته كما أحبها. أتساءل يا ترى كيف استقبلت وفاته؟ مثل هذا الرجل لا ينسى، مثله يُحفر في ذاكرتنا فلا نهاية له ولا غياب عنه. أخي عبد الله أن يختم الله لك بجوار آل البيت، في رحلة كنت تتمناها وتتطلع للموت خلالها هذه حقيقة إخلاص وطبيعة إيمان ودليل على صدقك مع الله عزوجل والله حسيبك. أخي عبد الله رحمك الله، وغفر لي أن ظننتُ بك سوءاً..أخي عبد الله قد نولك الله مرادك وبغيتك فهنيئاً لك..

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *