المطار والحياة

 بوسطن/ أمريكا٢٣ مايو ٢٠١٥

قبل الموعد المحدد تراص الناس أمام باب الخروج، باب ضخم من الزجاج يفتح ويغلق أوتوماتيكياً، علقت فوقه لوحة ضخمة تشير لعدم جواز الدخول من هذه البوابة وإنما تستخدم لخروج أفواج الوصول من المسافرين فقط. المطار فيه عدد محدود من الناس، في مدينة اشتهرت بعدد ضخم من الكليات والجامعات والمعاهد المهنية وفي نهاية العام الدراسي، معظم الحضور في المطار ارتبط بمناسبات التخرج الدراسية. أسر وأصدقاء ومعارف وأحباء، الكل محتفل.ترتسم الابتسامات، توزع عناقيد الورد، الكثير من العناق والقبلات، الفرحة ترتسم على الوجوه.لكن كانت هناك مجموعة من الناس مختلفة، كانت نظراتهم ملتاعة، وأنفاسهم مترقبة، كانوا يقفون ينتظرون نعشها، يتطلعون لرؤيتها لآخر مرة، كانت هناك لكي تتخرج بالفعل لكن بين عالمين مختلفين، تخرجها لا يرتبط بالشهادات لكنه يرتبط بالأعمال. تذكرتها بكل حواسي، كإني أراها أمام عيني، أشم رائحتها، وأسمع صوتها، منذ عام واحد فقط كنا نمشي سويا، نتريض صباحاً على شاطئ النهر، كانت حاملاً في شهرها السادس، وقد اكتشفوا للتو أنها مصابة بالسرطان، هذا المرض الذي وصفناه بالخبيث. كانت مليئة بالإيجابية والتفاؤل، مليئة بالرضا والتسليم، كانت طبيبة وكانت تعلم حقيقة مرضها وطبيعة حالتها. إحدى هؤلاء الذين قل أن يجود بهم عالمنا العربي بحاضره الثقافي الحالي. فاجأها المرض، داهمها على غير انتظار وهي مليئة بالخطط، حامل في ابنتها، وبين يديها طفل في تمام السادسة من عمره يذهب للروضة، مبتعثة هي وزوجها في مجال دراسة الطب والتخصص الدقيق فيه. عرفتها في تلك الفترة، ولم أعرفها قبلها. عرفتها بعد اكتشاف المرض، عرفتها خلال محنتها، وكنا نتسلى سويا بالتريض على شاطئ النهر. نتحاور عن الحياة، مفاهيم الحياة وفلسفتها الحقيقية.  تخرجت هي من مدرسة الدنيا بدرجة صابرة، قانعة، قوية، ثابتة، مع شهادة تميز في التفاؤل والإيجابية، لم تنهار بالرغم من شدة الآلام، بقت تكتب في مدونتها لآخر وقت تمكنت فيه من الكتابة، قرأت كتابتها بعد وفاتها فكأنها لا زالت تعيش بين أظهرنا.. اللهم تغمدها برحمتك، واغمرها بعطاءك، فقد كانت رحيمة ومعطاءة.. ريم بخيت

Leave a Comment

Your email address will not be published. Required fields are marked *