جدة ١٨ ديسمپر ٢٠١٤
منذ سنوات طويلة وفي مناسبة ضخمة يقيمها مركز العمل الذي أديره تعرفت عليها. جاءتني موظفة التسويق مشيرةً إليها هذه “الورقاء” التي استأجرت طاولة في هذا البازار الذي نقيمه وهي مصممة أزياء. نظرت إليها كانت جميلة ترتدي زياً غريباً. كانت ترتدي “عمامة” تبدو لي ذات ألوان ونقوش افريقية و”عباءة” لم أكد أعرف ما هو تصميمها! ففيها أقمشة في اتجاهات متنوعة وكأن مقص الخائط طاشت في القماش. سألت: من أي البلاد هي؟ قالت: من مكة، تعيش في جدة. قلت: أهلا وسهلا. سلمت عليها ورحبت بها والتقت الأعين، كان بيننا حوارٌ، لكني لم أعلم حينها عن ماذا؟! هي في أوائل الثلاثين، جمالٌ أخاذ تلتفت له الأعناق، جمال يبهر الألباب، جسدٌ ملفوف ومشدود. أقرب للاعتدال والتوسط في طولها وفي حجمها، لا شحم فيها ولا ترهلات. ساحرة سمراء، ذات أعين قرمزية لا هي خضراء ولا عسلية، لونٌ احتار بين اللونين فاستقر في عينيها بلا اسم. أنف مستقيم ومحدد بدقة، تقف على جانبه الأيمن شامة سوداء تقف بشموخ لكي تقول: أنا متميزة. فمٌ مكتنز مرسوم يحوي أسناناً لؤلؤلية لم تصطف بعناية، بل تراكبت فوق بعضها بعشوائية جميلة. جبهة دقيقة تنتهي بشعر كثيف. ولعل أجمل وأغرب ما فيها كان شعرها. كان مثيراً غجرياً مجنوناً ثائراً، شعرٌ طويلٌ يصل إلى خصرها، شعرٌ أجعدٌ شعث تتركه على طبيعته بلا تعديل أو فرد. هو جزء رئيسي من غجريتها وجمالها. هذا الجسد المتمرد والوجه الثائر احتواه إبني بين يديه في يومٍ من الأيام. مرت الأيام طويلة مليئة بالأحداث، كبر الصغير وجاء يطلب الزواج. أقترح عليه أسماء وأوصاف فيتعجب من طرحي. هو يريد امرأة قوية عنفوانية، هو يبحث عن قرين يماثله في القوى والتمرد. وجاء اسمها، هو طرحه بحب ورغبة وادراك، هو اقترحه بعد أن كان بينهما لقاءات اجتماعية هنا وهناك. تعرفتُ عليها عن قرب، جسدٌ في حالة ديناميكية مستمرة، بل لعل تشخيصها أنها من حالات فرط الحركة الغير مرضية، مباشرة بتلقائية، مفتوحة، مرنة لكل جديد. محافظة على صلاتها وعبادتها، فخورة بلغتها ووطنها. من عجائبها: تعليقاتها وسرعة بديهتها، محبة، معطاءة. من حكمتها: أن تحتوي مشكلاتها، تسأل فتستنير وتبحث عن المرشد لتسترشد، ولا تذيع أخبار، أو تنقد سلوك بل تقبل وتلتمس الأعذار، هي بلا شك إنسانة مسئولة، كريمة كثيرة الهدايا والعطايا.لكن إن غضبت فلابد أن تختبأ منها وإلا طاشت فيك وتأكدت من أنك عرفت خطأك وأقريت به اقراراً، وإن رضت فما أعذب رضاها. كمصممة ما يزال زيها الخارجي مختلف عن باقي البشر في مجتمعها، نقلت أسرتها الصغيرة لذات النوع من التصاميم والقماش فأصبحت ملابسهم المختلفة من سمات عائلتهم. والآن أصبح عندي منها نسختين مصغرتين.
